من يبدع الفكرة ومن يحصد المجد!!

من طبائع النفس البشرية سعيها الدائم للاعتراف، ليس فقط اعترافًا بالوجود، بل اعترافًا بالدور والفكرة والرؤية. كثيرًا ما نسمع جُملاً من قبيل: «مش قلتلك»، أو «أنا قلت كده قبل ما يحصل»، أو «ما حصل إلا لأنهم لم يسمعوا كلامي». خلف هذه العبارات يكمن توقٌ عميق لدى الإنسان ليُرى ويُذكر ويُعترف بمساهمته.

وفي المقابل، يشعر البعض بالظلم حين يرى فكرته وقد نُسبت لغيره، أو حين تُطرح في مجلس فلا تلقى صدى، ثم تأتي لاحقًا على لسان آخر فتُصفق لها الأيدي. هنا يتولد الإحساس بالخذلان: «لكنها فكرتي».

ما يغيب عن وعينا أحيانًا أن الأفكار ليست ملكًا مطلقًا لأحد، وأنها قد تخطر على عقول متعددة في اللحظة ذاتها، في أماكن متباعدة. الشرارة قد تكون واحدة، لكن الفارق يكمن في من يضعها موضع التنفيذ، أو من يُعيد صياغتها في وقتها المناسب وبأسلوب يجد صداه.

الاعتراف إذًا ليس فقط لمن «قال» بل لمن «فعل»؛ ليس لمن خطرت له الفكرة فحسب، بل لمن التقطها وحوّلها إلى واقع. التاريخ نفسه يروي هذه الحقيقة: فكم من عالمٍ نطق بالفكرة، لكن من خلد اسمه هو من أثبتها أو جعلها علماً نافعًا.

الدرس الإنساني هنا مزدوج: أن نتواضع في نسب الفضل، وأن ندرك أن الاعتراف الحقيقي لا يُختزل في كلمات الإطراء، بل في أثر الفعل. وأن نعلم في الوقت نفسه أن غياب الاعتراف لا يبطل قيمة ما فكرنا فيه؛ فقد يكون إسهامنا مجرد حلقة في سلسلة أو بذرة في أرض، ليأتي آخر ويقطف الثمرة.

في النهاية، ما يبقى ليس «أنا قلت» أو «مش قولتلك»، بل ما غيّر الواقع وصار نفعًا عامًا. وهنا يلتقي السعي الفردي إلى الاعتراف مع الحكمة الجماعية للتاريخ.

 

التعليقات